من وحي ذكرى راودتني.
الذكريات، ما أشد قوستها وهي تمارس في حقنا كل هذا الرعب والإرهاب.
فسواء كانت جيدة أو سيئة، او كانت سعيدة او حزينة، فإنها تعود شيئًا فشيئًا مثل قطع اللغز، فتتجمع قطعة تلو الأخرى حتى تكتمل الصورة تماما لنجد أنفسنا نعيش من جديد لحظات مضت ولم يتبقى منها إلا ذلك الشعور القديم إما بالسعادة او بالحزن. ذلك الشعور الذي جعل من تلك اللحظات شيئا مميزا في حياتنا عشناه وانتهى وبقيت آثاره عالقة بالقلب والذاكرة.
وأنا لازلت أتذكر
ذلك اليوم، وأتذكر تلك القطعة الصغيرة من الورق التي ناولتك إياها في يدك البيضاء،
يدك الجميلة، المرتعشة.
وقد فعلت ذلك بكل احتياطات وحذر الثعالب لكي أتحاشى النظرات المتطفلة لزملائنا في العمل. كنت قد كتبت لك فيها جملة لا اذكرها. لا أعرف لماذا نسيتها. ربما لأن قوة اللحظة كانت اعمق وأصدق وأبقى في الذاكرة من الكلام.
ما اذكره هو عندما اخدت مني تلك الورقة وقرأت ما بها إشتعل بريق عينيك من وراء نظاراتك وكأنه الشمس قد اشرقت من جديد ذلك اليوم لتربت على جبيني بأشعتها الدافئة لنشعرني ببعض الاطمئنان.
منذ تلك اللحظة الخالدة، وأنا أعلم بأن كل أبواب قلبك قد فتحت لي ولي وحدي. فتحت على مصراعيها. كان شعورا لذيذا بالتفوق، وبأنني اقتحمتك، وبأنني عثرت على ذلك الحب الذي يعيش مع المرء إلى أن يصحبه الى قبره
فجأة اختفي العالم من حولي ولم اعد أرى احدا سواك وكأنني فقدت البصر عن كل الناس كلهم حولنا. لأنك في تلك اللحظة صرتِ في عيني كل الناس.
وأنا أهم بالانصراف ألقيت علي نظرتك تلك الساحرة التي كانت بمثابة قميص النبي يوسف إذ يُلقى على وجه أبيه فإرتد بصيرا.
كانت لحظة كما لو أنني اكتشفت العالم لأول مرة من خلال عينيك، من خلال نظرتك تلك، قالت لي كل شيء عن قصتنا التي ولدت للتو.
واليوم، وبعد كل تلك السنين التي مرت كالسحاب على تلك الولادة الجميلة.ها أنت لازلت تطاردينني في أحلامي لأشعر مجددا بنفس الشغف، وبنفس الحب، وبنفس اللهفة، وبنفس الغيرة، وبنفس كل شيء حملته لك بين حنايا قلبي عمري كله منذ تلك اللحظة
مازالت تلك المشاعر مرتبة بكل عناية في قلبي كرفوف كتب قديمة لم يمسسها بشر ولم يكسوها الغبار رغم الزمن. فكأن الزمان ما غاب عنا، وكأن الطريق لم ينسى خطانا، وكأن الامسيات مازالت رؤانا.
أيتها الحلم الذي
لم يكتمل، أيتها الجرح الذي لم يندمل.أيتها الأشوق التي كلما إحترقت بالكامل عادت تارة أخرى لتشتعل.
وتبقى فكرة الذكرى
تلك الجمرة المدسوسة بين حنايا القلب والتي لا تموت أبدا.تلك الجمرة التي قد تشتعل
في أية لحظة، لتصير نيرانا من الحنين لشخص ما، لمكان ما، لزمن ما، لشيء ما. الحنين
لك أنت رؤى..
وتلك عندي فكرة الذكرى...
عبد الرحمان وعليشان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق